أواصل تقديم فصول من مختصر كتاب "الصحوَّة الشيعيَّة, لما له من أهميّة قصوى في معرفة ما يجري على الأرض الآن في المنطقة العربية وإيران, وما يعقب ذلك من مواقف إسرائيلية وأمر يكية, استنادًا إلى التوغّل الإيراني الذي أراه مسرحيًا لا أكثر؛ بالنسبة لإسرائيل على الأقل,لأن إيران لم ترد على أي خسائر بشرية لعملائها في سورية!!
........
ويشير الكاتب ولي نصر الى دوافع التفكير عند السنة والشيعة ونمطه وأهدافه فيقول: "على ضوء تاريخهم، لم يحاول الشيعة يوماً أن يقرنوا شرعية أو صلاحية إيمانهم بالنجاحات الدنيوية. وبعكسهم، أصبح السُنّة معتادين على الاحتفاء بهيمنتهم في العالم من خلال مؤسّسة الخلافة الزمنية المتجبّرة. وبالنتيجة، لا يجد الشيعة صعوبة كبرى ـ بعكس السُنّة ـ في التأقلم مع التدهور النسبي للقوة الإسلامية في العصر الحديث، ما دام هذا التدهور لا يوحي بوجود أزمة إيمان في نظر الشيعة. وإذا كان مدار المذهب السُني هو الشرع و "ما يجب"و "ما لا يجب"فعله في الإسلام، فإن مناط المذهب الشيعي هو الشعائر والعاطفة والدراما. صحيح أن الشيعة يتّبعون الشرع الإسلامي باحتراس لا يقلّ عن السُنّة، إلا أن تديّنهم لا يحدّده الشرع. فقبل أن يكون هناك فقه شيعي، كان ثمة تديُّن يُعرِّف المؤمن بما يتعدّى الشرع ويفوقه. والإفراط الحالي في الذهنية الشرعية الذي نجده عند آيات الله الإيرانيين إنما يُعتبر بوجه من الوجوه "تسنيناً"للتشيُّع، وهو انعكاس للتأثير الذي مارسته الأصولية السُنّية في العقود الأخيرة بنزعتها المتزمتة وحركيتها السياسية الحادّة"
مستقبل الصراع
في جانب آخر من الكتاب يمضي الباحث ولي نصر في قراءة مستقبلية للصراع السني – الشيعي فيقول: "في الوقت التي تُجبر فيه الحرب والديمقراطية والعولمة الشرق الأوسط على فتح أبوابه لسلسلة من التغيُّرات التي صُدَّت زمناً طويلاً، ستغدو نزاعات على شاكلة الانقسام الشيعي ـ السُنّي أكثر تواتراً وأشدّ حدّةً. وقبل أن يُكتب للشرق الأوسط الوصول إلى سرّ الديمقراطية والازدهار، سيترتب عليه أولاً أن يسوّي تلك المنازعات القائمة ما بين المجموعات الإثنية كالأكراد والأتراك والعرب والفرس، وأهمّ منها ذلك النزاع الأوسع نطاقاً والأبعد مدى بين السُنّة والشيعة فكما أن تسوية النزاعات الدينية كانت بمثابة بداية العبور لأوروبا نحو الحداثة، كذلك سيكون على الشرق الأوسط لزاماً أن يُحقّق سلمه الطائفي قبل أن يتسنى له العيش وفق قُدراته وإمكانياته".
ويضيف: "سوف نشهد في السنوات القادمة تنافساً حامياً على السلطة بين الشيعة والسُنّة في العراق أولاً، ثم على امتداد رقعة المنطقة في نهاية المطاف. وخارج العراق، سيتعين على بلدان أخرى (حتى وهي تعتنق مبدأ الإصلاح) أن تتصدّى هي الأخرى لتنافس مستحكم بين هاتين الطائفتين. وهذا النزاع السنّي ـ الشيعي سيكون له دور كبير في رسم صورة الشرق الأوسط ككل، وكذلك في تكوين وتظهير علاقاته بالعالم الخارجي. إن النزاع الطائفي هذا سيجعل المتطرفين السُنّة أشدّ تطرفاً، ومن المرجّح أن يُعيد إلهاب جذوة الحماسة الثورية بين الشيعة. سيصطبغ هذا النزاع في بعض الأوقات بالدموية، حيث إنه سيقوّي شوكة المتطرفين، ويوسّع صفوفهم، ويُكسب قضيتهم شعبيةً، ويُعلي نبرتهم السياسية، مما سيُعقّد بالتالي الجهد الأوسع نطاقاً لاحتواء التطرف الإسلامي. وحتى الذي سيحاول إطفاء نيران النزاع الطائفي، لن يفعل ذلك دائماً باسم الاعتدال؛ بل سيسعى بالأحرى إلى بناء جبهة مشتركة بن السُنّة والشيعة من ضمن نضال أكبر موجَّه ضد الولايات المتحدة وإسرائيل".
وفي معرض تأكيده – بحسب رأيه – موضوعية بحثه (كتابه) في تناول طبيعة انتماءت الشيعة والسنة الى معتقداتهم يقول الباحث نصر: "ليس الشيعة أو السُنّة بجماعة واحدة متماسكة تماسكاً صوّانياً؛ وهذا الكتاب لا ينطلق من هكذا مقدمة. فأتباع كل طائفة منهما منقسمون فيما بينهم من حيث اللغة والعرق والجغرافيا والطبقة الاجتماعية. كما تقوم داخل كل طائفة منهما جملة من الاختلافات بشأن المسائل السياسية واللاهوتية والفقهية، دع عنك التباين ما بين المتدينين والأقلّ التزاماً بالفرائض الدينية، أو حتى العلمانيين بغير تحفّظ. إن العالم الشيعي والعالم السُنّي يتداخلان ويتمزجان جغرافياً. كما أنهما يمتدان على رقعة واسعة ومنوّعة من الفضاءات الثقافية ويشملان عدداً وافراً من المجموعات الإثنية الأصغر حجماً. فهناك فضاءات ثقافية عربية وفارسية وجنوب آسيوية ـ إذا ما كان لنا أن نذكر بعضاً منها فقط ـ ومن ثم داخل تلك الفضاءات تجد مزيداً من التفرّعات الإثنية واللغوية. ففي العراق مثلاً، هناك الفوارق العريضة ما بين العرب والأكراد والتركمان الشيعة، هذا فضلاً عن الاختلافات القائمة بين أهالي المدن وأبناء العشائر والفلاحين وسكّان "الأهوار". ومهما حاولنا أن نركز على أوجه الاختلاف والتنوّع في الآراء والتقاليد والمواقف والمصالح داخل كل جماعة من هذه الجماعات. فليس التنوّع أو التباين هو ما يُحدّد في نهاية الأمر النزاع، بل النزاع هو ما يُحدِّد المواقف الاجتماعية التي هي موضع تقاسم واسع النطاق".
ويبين نقاط التمازج الاجتماعي بين الشيعة والسنة من خلال تناول المشهد العراقي فيقول: "لقد أشار العديد من المعلّقين إلى أنه حتى في العراق، حيث النزاع بين السُنّة والشيعة على أشدّه، ليس العداء بين الطائفتين عميقاً كما هي الحال بين البروتستانت والكاثوليكي إيرلندا الشمالية أو بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. فالبغضاء في العراق ليست عميقة إلى تلك الدرجة، والشيعة إنما يلومون صدّام حسين، وليس جيرانهم السُنّة، على فاقتهم ومعاناتهم. كما أن فيه عدداً أكبر من الجماعات المختلطة، والتزاوج كثير الحدوث فيما بينهم. غير أن حدّة النزاع الطائفي المتصاعدة هناك تعمل على تآكل وتجويف تلك الأواصر . وكما يمكن لسكان رواندا والمقيمين في البلقان أن يشهدوا آسفين، لا تشكّل الزيجات المختلطة أو التعايش الطائفي ضمانة ضد اقتتال الإخوة. فحتى الخلطة الكوزموبوليتانية من المسلمين والكروات والصرب في ساراييفو، بثقافتها الهجينية وعائلاتها المختلطة، لم تحمها قط من غائلة حروب يوغسلافيا الموغلة في الإبادة الجماعية".
وفي الوقت نفسه يؤكد الكاتب ولي نصر أن "التطرُّف السنّي يتغذّى على التحامل ضد الشيعة وحتى على العنف. ومن شأن نوبات التنافس الطائفي أن تعزّز التطرف السُنّي وتشرعن العنف الذي يؤدي ـ أقلّه في الأماكن حيث يستطيع الشيعة التصدّي له ـ إلى حلقة جهنمية من الاستفزاز والانتقام لا نهاية له".
يتبع
د. سامي الإمام
........
ويشير الكاتب ولي نصر الى دوافع التفكير عند السنة والشيعة ونمطه وأهدافه فيقول: "على ضوء تاريخهم، لم يحاول الشيعة يوماً أن يقرنوا شرعية أو صلاحية إيمانهم بالنجاحات الدنيوية. وبعكسهم، أصبح السُنّة معتادين على الاحتفاء بهيمنتهم في العالم من خلال مؤسّسة الخلافة الزمنية المتجبّرة. وبالنتيجة، لا يجد الشيعة صعوبة كبرى ـ بعكس السُنّة ـ في التأقلم مع التدهور النسبي للقوة الإسلامية في العصر الحديث، ما دام هذا التدهور لا يوحي بوجود أزمة إيمان في نظر الشيعة. وإذا كان مدار المذهب السُني هو الشرع و "ما يجب"و "ما لا يجب"فعله في الإسلام، فإن مناط المذهب الشيعي هو الشعائر والعاطفة والدراما. صحيح أن الشيعة يتّبعون الشرع الإسلامي باحتراس لا يقلّ عن السُنّة، إلا أن تديّنهم لا يحدّده الشرع. فقبل أن يكون هناك فقه شيعي، كان ثمة تديُّن يُعرِّف المؤمن بما يتعدّى الشرع ويفوقه. والإفراط الحالي في الذهنية الشرعية الذي نجده عند آيات الله الإيرانيين إنما يُعتبر بوجه من الوجوه "تسنيناً"للتشيُّع، وهو انعكاس للتأثير الذي مارسته الأصولية السُنّية في العقود الأخيرة بنزعتها المتزمتة وحركيتها السياسية الحادّة"
مستقبل الصراع
في جانب آخر من الكتاب يمضي الباحث ولي نصر في قراءة مستقبلية للصراع السني – الشيعي فيقول: "في الوقت التي تُجبر فيه الحرب والديمقراطية والعولمة الشرق الأوسط على فتح أبوابه لسلسلة من التغيُّرات التي صُدَّت زمناً طويلاً، ستغدو نزاعات على شاكلة الانقسام الشيعي ـ السُنّي أكثر تواتراً وأشدّ حدّةً. وقبل أن يُكتب للشرق الأوسط الوصول إلى سرّ الديمقراطية والازدهار، سيترتب عليه أولاً أن يسوّي تلك المنازعات القائمة ما بين المجموعات الإثنية كالأكراد والأتراك والعرب والفرس، وأهمّ منها ذلك النزاع الأوسع نطاقاً والأبعد مدى بين السُنّة والشيعة فكما أن تسوية النزاعات الدينية كانت بمثابة بداية العبور لأوروبا نحو الحداثة، كذلك سيكون على الشرق الأوسط لزاماً أن يُحقّق سلمه الطائفي قبل أن يتسنى له العيش وفق قُدراته وإمكانياته".
ويضيف: "سوف نشهد في السنوات القادمة تنافساً حامياً على السلطة بين الشيعة والسُنّة في العراق أولاً، ثم على امتداد رقعة المنطقة في نهاية المطاف. وخارج العراق، سيتعين على بلدان أخرى (حتى وهي تعتنق مبدأ الإصلاح) أن تتصدّى هي الأخرى لتنافس مستحكم بين هاتين الطائفتين. وهذا النزاع السنّي ـ الشيعي سيكون له دور كبير في رسم صورة الشرق الأوسط ككل، وكذلك في تكوين وتظهير علاقاته بالعالم الخارجي. إن النزاع الطائفي هذا سيجعل المتطرفين السُنّة أشدّ تطرفاً، ومن المرجّح أن يُعيد إلهاب جذوة الحماسة الثورية بين الشيعة. سيصطبغ هذا النزاع في بعض الأوقات بالدموية، حيث إنه سيقوّي شوكة المتطرفين، ويوسّع صفوفهم، ويُكسب قضيتهم شعبيةً، ويُعلي نبرتهم السياسية، مما سيُعقّد بالتالي الجهد الأوسع نطاقاً لاحتواء التطرف الإسلامي. وحتى الذي سيحاول إطفاء نيران النزاع الطائفي، لن يفعل ذلك دائماً باسم الاعتدال؛ بل سيسعى بالأحرى إلى بناء جبهة مشتركة بن السُنّة والشيعة من ضمن نضال أكبر موجَّه ضد الولايات المتحدة وإسرائيل".
وفي معرض تأكيده – بحسب رأيه – موضوعية بحثه (كتابه) في تناول طبيعة انتماءت الشيعة والسنة الى معتقداتهم يقول الباحث نصر: "ليس الشيعة أو السُنّة بجماعة واحدة متماسكة تماسكاً صوّانياً؛ وهذا الكتاب لا ينطلق من هكذا مقدمة. فأتباع كل طائفة منهما منقسمون فيما بينهم من حيث اللغة والعرق والجغرافيا والطبقة الاجتماعية. كما تقوم داخل كل طائفة منهما جملة من الاختلافات بشأن المسائل السياسية واللاهوتية والفقهية، دع عنك التباين ما بين المتدينين والأقلّ التزاماً بالفرائض الدينية، أو حتى العلمانيين بغير تحفّظ. إن العالم الشيعي والعالم السُنّي يتداخلان ويتمزجان جغرافياً. كما أنهما يمتدان على رقعة واسعة ومنوّعة من الفضاءات الثقافية ويشملان عدداً وافراً من المجموعات الإثنية الأصغر حجماً. فهناك فضاءات ثقافية عربية وفارسية وجنوب آسيوية ـ إذا ما كان لنا أن نذكر بعضاً منها فقط ـ ومن ثم داخل تلك الفضاءات تجد مزيداً من التفرّعات الإثنية واللغوية. ففي العراق مثلاً، هناك الفوارق العريضة ما بين العرب والأكراد والتركمان الشيعة، هذا فضلاً عن الاختلافات القائمة بين أهالي المدن وأبناء العشائر والفلاحين وسكّان "الأهوار". ومهما حاولنا أن نركز على أوجه الاختلاف والتنوّع في الآراء والتقاليد والمواقف والمصالح داخل كل جماعة من هذه الجماعات. فليس التنوّع أو التباين هو ما يُحدّد في نهاية الأمر النزاع، بل النزاع هو ما يُحدِّد المواقف الاجتماعية التي هي موضع تقاسم واسع النطاق".
ويبين نقاط التمازج الاجتماعي بين الشيعة والسنة من خلال تناول المشهد العراقي فيقول: "لقد أشار العديد من المعلّقين إلى أنه حتى في العراق، حيث النزاع بين السُنّة والشيعة على أشدّه، ليس العداء بين الطائفتين عميقاً كما هي الحال بين البروتستانت والكاثوليكي إيرلندا الشمالية أو بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. فالبغضاء في العراق ليست عميقة إلى تلك الدرجة، والشيعة إنما يلومون صدّام حسين، وليس جيرانهم السُنّة، على فاقتهم ومعاناتهم. كما أن فيه عدداً أكبر من الجماعات المختلطة، والتزاوج كثير الحدوث فيما بينهم. غير أن حدّة النزاع الطائفي المتصاعدة هناك تعمل على تآكل وتجويف تلك الأواصر . وكما يمكن لسكان رواندا والمقيمين في البلقان أن يشهدوا آسفين، لا تشكّل الزيجات المختلطة أو التعايش الطائفي ضمانة ضد اقتتال الإخوة. فحتى الخلطة الكوزموبوليتانية من المسلمين والكروات والصرب في ساراييفو، بثقافتها الهجينية وعائلاتها المختلطة، لم تحمها قط من غائلة حروب يوغسلافيا الموغلة في الإبادة الجماعية".
وفي الوقت نفسه يؤكد الكاتب ولي نصر أن "التطرُّف السنّي يتغذّى على التحامل ضد الشيعة وحتى على العنف. ومن شأن نوبات التنافس الطائفي أن تعزّز التطرف السُنّي وتشرعن العنف الذي يؤدي ـ أقلّه في الأماكن حيث يستطيع الشيعة التصدّي له ـ إلى حلقة جهنمية من الاستفزاز والانتقام لا نهاية له".
يتبع
د. سامي الإمام